Friday, February 27, 2009

هذه الفتاوى أجاب عنها فضيلة الدكتور محمد عبد الفضيل القوصى الأستاذ بجامعة الزهر عنها

أموالى حرام ماذا أفعل لأنقيها
** اكتسبت مالا حراماً، ثم استطعت بهذا المال أن افتتح إحدى الشركات التى هى مصدر رزق لعدد من الناس، ومنذ ذلك الحين وأنا مستقيم فى عملى، ولكن كيف أرضى الله تعالى بعدما اكتسبته من الحرام دون أن أخسر ما أنا فيه، ودون أن أغلق بيوت من يعملون معى؟
** لابد لك أيها الأخ السائل من التفرقة والتمييز بوضوح بين أصل المال الذى اكتسبته من الحرام من جهة، وبين الشركة التى أقمتها بذلك المال فى حالتها الراهنة من جهة ثانية.
(1) أما أصل المال الحرام فهو باق على حرمته، وسيظل كذلك ما دام فى حوزتك، فعليك أولاً: أن تتطهر منه، وأن ترده إلى مصدره بأية وسيلة، وبكل وسيلة.
(2) أما بالنسبة للشركة التى أقمتها بذلك المال فى حالتها الراهنة فهى ثمرة مشتركة لأمرين مجتمعين أولهما رأس المال نفسه، وثانيهما نشاطك الفعلى فيه، واستثمارك له، وتنميتك إياه. وما أنصحك به هو أن تقدر المقابل المادى المناسب والمعقول لنشاطك الذى قمت به فعلاً، وتحتفظ به حلالاً إن شاء الله، ثم ما يتبقى بعدئذ من ربح فمصدره فى الحرمة تماماً، ويجب عليك رده إلى أصحابه، بنفس الوسيلة التى سترد بها أصل المال.
أما الذين يعملون معك فالله وحده هو المتكفل بأرزاقهم، وليس من الحكمة فى شئ أن تتحمل فى سبيل أرزاقهم المكفولة من الله تعالى وزر ذلك المال الحرام، وتبوء بإثمه فى الدنيا والآخرة إنى لأعلم مدى التضحية ومقدار الشجاعة التى يحتاجها هذا الحل، ولكنك تبتغى مرضاه الله تعالى والنجاة من نقمته وعقابه، وهذا مطلب غال تهون دون الصعاب.
هل أنا شاهد زور؟
** طلب منى جارى أن أشهد معه فى استخراج أعلام شرعى خاص بوفاة والدته، وقام بتلقينى أسماء إخوته ووالدته وتاريخ وفاتها، رغم عدم معرفتى بهؤلاء الأشقاء، ولكنه ثقة منى فى كلام جارى أقسمت أمام القاضى بأن أقول الحق، ثم شعرت بالندم فهل يعتبر ما فعلته شهادة زور، ما الحكم فيه؟
** الأصل فى الشهادة أن تكون إخباراً عما شهده الشاهد أو سمعه بيقين لا شبهة فيه، ففى حديث ابن عباس الذى صححه الحاكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لرجل: ترى الشمس؟ قال: نعم ... قال على مثلها فاشهد أو دع (أى اترك الشهادة).
لكن الشهادة تجوز أيضاً بما استفاض واشتهر علمه بين المقيمين فى مكان الشهادة فأصبح بهذه الشهرة المستفيضة بين الناس كالمعلوم بالعلم اليقينى، وهذا خاص ببعض المسائل المتعلقة بالنسب أو الرضاع أو الموت وما يماثلها.
وأنت أيها الأخ السائل فقد كان ينبغى عليك أن تتقصى عن المعلومات التى شهدت بها فى نطاق البلد الذى يقيم به أولئك المشهود لهم، حتى تكون شهادتك عن بينة.
لكن شهادتك هذه ليست هى المعنية بشهادة الزور التى تعد من الكبائر كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة، لأن شهادة الزور هى تلك الشهادة التى يتعمد صاحبها تحوير ما يشهد به، وتزيينه ووصفه بما ليس فيه، بالنقص منه أو الزيادة عليه، تزويجاً للباطل، وكتماناً للصدق، وهضماً للحق، وتجنياً على الحقيقة وبوجه عام... فإن على الشاهد حين يشهد أن يأتى بالشهادة على وجهها فلا يشهد إلا بما رأى أو سمع، أو بما استفاض وانتشرت المعرفة به فى المحيط الذى وقعت فيه الواقعة، وذلك فى مسائل محددة كما أسلفنا.
هذا الميزان
** هل من حق الزواج أن يتلفظ بألفاظ الطلاق كما يشاء ثم يقول أنه كان فاقد الوعى بما يقول، وغير مدرك لما يفعل، وأنه هو الذى يحدد مسئولية ذلك أمام الله تعالى مع أن الزوجة تقول إنه لم يكن فاقد الوعى، بل كان مدركاً لما يقول؟

** من الضرورى هنا تصحيح خطأ شائع عند الكثيرين وهو أنهم يفهمون خطأ أن النطق بالطلاق فى حالة الانفعال أو التوتر العصبى أو الثورة النفسية لا يعد طلاقاً ، والحق أن هذه ليست حالة الغضب التى لا يقع فيها الطلاق كما هو رأى بعض الفقهاء، فالغضبان الذى لا يقع طلاقه فى رأى هؤلاء العلماء هو من بلغ به الغضب حدا جعله لا يميز ما يقول وما يفعل فكأنه صار شبيهاً بالمجنون المسلوب الإرادة الزائل العقل، وليس مرد التوتر أو الغضب أو الانفعال، ففى هذه الحالات يقع الطلاق لا محالة.
ولعل هذا هو أحد معانى (الإغلاق) فى قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد (لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق).
وفى هذا يتجسد لنا حرص الإسلام على أن تظل العلاقة الزوجية بمنأى عن المهاترات العابرة، والكلمات العابثة.
ثم نقول للزوج: إن ما قلناه بشأن الغضب هو الميزان الذى تتبين به إن كان طلاقك يقع أو لا يقع، فانت وحدك الذى تحدد درجة غضبك، وأنت وحدك المسئول أمام الله تعالى عما تقول وما تفعل، ولتعلم أن الأمر يتعلق بحل الحياة الزوجية وحرمتها، فلتتق الله تعالى فى ذلك، فهو المطلع على خفيات القلوب وذوات الصدور.
زوجى يسخر منى
** أنا أم لأولاد فى مرحلة الشباب، ومضى على زواجى أكثر من خمسة وعشرين عاماً، لكن زوجى يسخر منى حين أصوم صوم التطوع وحين أسمع القرآن، وهو فظ غليظ القلب، يثور لأتفه الأسباب وأتعرض لشتائمه وإهاناته المتكررة،
إلى جانب بخله الشديد، فبماذا تنصحوننى؟
** أيتها الأخت المسلمة.. لقد مضى على اقترانك بزوجك خمسة وعشرون عاماً أو يزيد أنجبتما فيها البنين والبنات وقد كان ينبغى لك مع طول العهد وامتداد العشرة أن تكونى قد أحطت علماً بخفايا زوجك ودخائل نفسه، وطوايا سريرته، وعرفت مواطن غضبه ومظان رضاه، وما يذهب بخله ومايستدعى كرمه، فلزوجك عليك ـ أيا ما كان ـ حق الطاعة، وله عليك أيضاً حق التلطف معه فيما يغضبه وما يرضيه، لقد روى البخارى وغيره عن النبى صلى الله عليه وسلم قوله (لا يحل للمرأة أن تصوم ـ أى صوم التطوع ـ وزوجها شاهد إلا بإذنه) فالوفاء بحق الزوج ـ كما يقول بعض العلماء ـ أولى من صوم التطوع، بل إن الزوجة لو صامت تطوعاً بغير إذنه ورضاه ـ كما يضيف أولئك العلماء لكانت فاعلة للمحرم.
أما سماع القرآن الكريم فينبغى أن ترغبى زوجك فى سماعه بلطف ومودة، وتحببى ذلك إلى نفسه دون عنف أو تشدد، حتى لا يركب متن العناد، وللقرآن الكريم مداخل شتى إلى النفس البشرية (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).
أما الزوج فإنى أناشده أن يرعى حق العشرة لزوجة ليثبت معه عمراً من قبل، وأن يمتثل لوصيته صلى الله عليه وسلم بالنساء (استوصوا بالنساء خيراً) ولقوله (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى). ولقد وصفت السيدة عائشة ـ كما جاء فى الشمائل للترمزذى ـ حاله صلى الله عليه وسلم فى بيته فقالت (ما كان إلا بشراً من البشر، يخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، ويخصف نعله، وما رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادماً).
ردود خاصة
** بالنسبة للسائل الذى يقول أنه فوجئ بما لم يكن يتوقعه فى بداية زواجه أقول أننى أنصح أن تحاط مثل هذه القضايا الحساسة بسياج من الستر والصون والكتمان ولا تصبر مضغة فى الأفواه وتجريحاً للأعراض وعليه أن يستخير الله فإن فارق فارق بالمعروف وإن أمسك أمسك بالمعروف وأن يضع نصب عينيه قوله صلى الله عليه وسلم: "من ستر مسلماً سرته الله تعالى". وقوله "من رد عن عرض اخيه بالغيب رد الله النار عن وجهه يوم القيامة". وقوله كذلك "من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله، وربما كان مخطئاً فى تصوره".
** وبالنسبة للزوجة التى تشكو من فحش أفعال زوجها فأقول أن النبى صلى الله عليه وسلم حذر تحذيراً شديداً من مثل هذا الصنيع فى أحاديث شتى وعلى الزوج أن يرعى الله فى زوجته وأن يعلم أن من حقها أن تطلب الطلاق منه إذا لم يرتدع عما يفعل وإذا لم يسر فى العلاقة الزوجية السيرة الطبيعية والتى ارتضاها الله ورسوله ونقول له أنه لا مبرر شرعى لأفعاله مطلقاً.

No comments:

Post a Comment