Monday, February 16, 2009

الغناء بشروط

هذه الفتاوى أجاب عنها فضيلة الدكتور صفوت حامد الأستاذ بجامعة الأزهر:
* ما معنى قوله تعالى: "ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً" وهل هناك غناء مباح وغناء غير مباح؟ وما حدود ذلك؟
** إن من طبيعة النفس البشرية أن تحتاج من وقت لآخر إلى شئ من الترويح والتسليم واللهو البرئ.. والإسلام .. وهو دين الفطرة – لا يقاوم هذا الميل الفطرى، ولكن يقومه ويرشده حتى لا يخرج عن حد الاعتدال. ولا يجنح بالإنسان إلى الشطط والتعرض للسقوط ومن هذا الباب "الغناء" فإنه قد يكون تنشيطاً للنفس وترقية للوجدان وسمو بالعواطف النبيلة وأحياناً يكون وسيلة من وسائل المجون والفجور- وقد كانت مجالس الغناء قديماً مباءة لأنواع من الفسوق والانحلال مصحوبة بالرقص الخليع المثير للغرائز، والكئوس المترعة بالخمور- ومن هنا ارتبط الغناء فى الأذهان بهذه المجالس اللاهية، واختلفت حوله آراء العلماء بين قائل بالتحريم، وقائل بالكراهة. وقائل بالإباحة – والذى تطمئن إليه النفس أن الغناء فى حد ذاته "مباح" ولكن بشروط:
1- ألا تكون كلماته داعية إلى محرم كشرب الخمر والاعتداء على الأعراض.
2- أن يخلو الأداء من الميوعة والتخنث وإثارة الغرائز.
3- ألا يكون مصحوباً بشئ من المحرمات كشرب الخمر والدعارة والرقص الخليع.
4- ألا يؤدى إضاعة عبادة أو تأخيرها عن وقتها.
5- ألا يؤدى إلى قعود الإنسان عن معالى الأمور كطلب العلم وكسب الرزق، وتنمية المجتمعات وإسعادها بزيادة الجهد ومضاعفة الإنتاج – ويكون ذلك بالاقتصاد فيه حتى لا يخرج عن حد الاعتدال.
وواضح أن الغناء يكون محرما إذا فقد شرطا من هذه الشروط.
أما قوله تعالى فى سورة لقمان "ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين" (الآية 6). فقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن "لهو الحديث" فى الآية هو "الغناء" وقال آخرون أن الآية نزلت فى "النضر بن الحارث" الذى اشترى قصص ملوك الأعاجم ليقصها على أهل مكة حتى يشغلهم بذلك عن الاستماع إلى محمد صلى الله عليه وسلم وقراءته للقرآن.
ولا شك أن القائلين بتحريم الغناء وأنه هو "لهو الحديث" كان فى أذهانهم مجالس الغناء المعهودة عند العرب فى جاهليتهم، وما كان يصاحبها من مجون وفسوق، وقد وردت آثار تدل على سماع بعض الصحابة والتابعين للغناء، وقد استقبلت نساء المدينة النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبا بكر بالغناء. وأراد أبو بكر منعهن. فنهاه النبى صلى الله عليه وسلم قائلاً له: "حتى تعلم يهود أن فى ديننا فسحة" – ولكن هذا النوع من "الغناء المباح" كان مجرد لهو عارض فى مناسبات خاصة بقصد إشاعة البهجة والسرور، ولم يتجاوز حد الاعتدال، ولم يكن مصحوباً بمحرم، ولا داعياً إلى محرم.
والعلماء القائلون بالإباحة – بشروطها التى ذكرناها ـ يقولون: أن الآية التى استدل بها القائلون بتحريم الغناء ـ قد ذكرت صفة من فعلها كان كافراً بإتفاق. لأنه يريد أن يضل عن سبيل الله ويتخذها هزواً ولا شك أن من يفعل ذلك لا يكون عاصياً فحسب، بل خارجاً عن الإسلام.

No comments:

Post a Comment